أحكام عبادة المعاق
السؤال :
السلام عليكم و رحمة الله
هل تجب الصلاة والصيام على الطفل البالغ المعاق جسديا، علما أنه لا يستطيع الوقوف ولا الجلوس ولا التحدث ولا حتى إطعام نفسه ؟
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله. يجب على المعاق البالغ إقامة الصلوات المفروضات الخمس ما دام عقله حاضرا يدرك أفعال الصلاة ويعقلها لأن شرط التكليف العقل والبلوغ. قال تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يعقل). رواه الإمام أحمد. وهذا مذهب عامة الفقهاء. أما إذا كان فاقدا للعقل بحيث لا يعقل الصلاة ولا يدركها فإن الصلاة تسقط عنه حينئذ لزوال شرط التكليف.
ويجب عليه الإتيان بجميع أركان الصلاة وواجباتها إذا كان يستطيع فعلها ولا مشقة عليه في ذلك كالقيام والقراءة والركوع والسجود وغيرها فإن عجز عنها جميعا سقطت عنه وصلى جالسا أو مستلقيا على حسب استطاعته وإن عجز عن بعضها سقط ما عجز عنه ويلزمه الإتيان بما استطاع وأومأ بالركوع والسجود وغيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: (صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب). رواه البخاري . فإن كان لا يستطيع الحراك أبدا مع بقاء عقله وإدراكه لم تسقط عنه الصلاة في أصح قولي الفقهاء وصلى بالنية والذكر يومئ برأسه أو بحركة بصره فينوي تكبيرة الإحرام ثم القراءة ثم الركوع والسجود وهكذا جميع الصلاة يتنقل فيها بالنية والذكر لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ). وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه). متفق عليه. ولا بأس أن يلقن ويعان على صلاته إذا اقتضت الحاجة ذلك.
ويجب عليه الإلتزام في فعل الصلاة في أوقاتها الخمسة التي وقتها الشارع. قال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا). فإن كان يشق عليه أحيانا ذلك و يجد حرجا ظاهرا لإجهاد و عدم خادم أو قلة معين جاز له جمع الظهر مع العصر وقتا واحدا والمغرب مع العشاء وقتا واحدا جمع تقديم أو تأخير على حسب الأرفق به لكونه في حكم المريض ويكون جمعه رخصة عارضة ليس على سبيل الدوام. لكن يجب عليه أداء صلاة النهار في النهار والليل في الليل ولا يجوز له تأخير صلاة الليل إلى النهار وصلاة النهار إلى الليل.
ولا يلزم المعاق السعي للصلاة جماعة في المسجد إذا كانت إعاقته شديدة تمنعه من الذهاب أو يحصل له مشقة ظاهرة في ذهابه لقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ). ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعتبان بن مالك في تركه الجماعة وصلاته في بيته لما أنكر بصره وشق عليه الذهاب للمسجد كما في الصحيحين.
أما الطهارة فيجب عليه التطهر بالماء بنفسه إن قدر على ذلك وإلا استعان بمن يخدمه ويعاونه من قريب و خادم فإن عجز عن استعمال الماء أو خشي حصول الضرر أو تعذر عليه ذلك جاز له التيمم بالتراب لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ). فإن عجز عن استعمال الماء والتراب أو فقدهما أو لم يجد من يعينه على ذلك وخشي خروج الوقت صلى بلا طهارة على حسب حاله لأنه اتقى الله ما استطاع ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
ويجزئ في الخارج من السبيلين من المعاق مسحه بمنديل أو خرقة أو حجر أو غيره من الطاهرات ثلاثا أو أكثر إذا حصل الإنقاء ولا يشترط التنظيف بالماء. فإن كان الغائط والبول يخرج باستمرار ولا يتوقف لم يلزم إزالته لتعذر ذلك وألبس المعاق حفاظة تمنع خروجه واكتفي بوضوئه بعد دخول وقت الصلاة ثم يؤدي العبادة ولا يضره ما خرج منه بعد ذلك كالمستحاضة.
أما الصوم فيجب عليه أداء الصوم الواجب إذا كان يطيق ذلك فإن كان لا يقوى على الصيام أبدا لحاجته إلى الدواء والطعام نهارا أو كان صومه يشق عليه أو يترتب على صومه ضرر ظاهر يؤدي إلى سوء حالته لم يلزمه الصوم حينئذ وأطعم عن كل يوم مسكينا كالكبير الذي لا يطيق الصوم لقوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ). قال ابن عباس رضي الله عنهما: (نزلت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان الصيام، فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً). رواه البخاري. فإن كانت هذه الحالة ليست ملازمة له إنما عرضت له وقت رمضان أفطر لعذره ثم إذا تحسنت حالته وقوي على الصيام قضى عدد الأيام التي أفطر فيها لقوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ). والمرجع في إسقاط الصوم عنه إلى قول الطبيب المسلم المأمون المتابع لحالته الصحية.
وولي أمر المعاق عليه مسؤولية عظيمة في رعاية المعاق والقيام بشؤونه وإعانته على أداء العبادة في وقتها بتذكيره وتنبيهه وتيسير الطهارة له وتهيئ الوضع المناسب لفعل العبادة. وهذا باب عظيم من البر والإحسان يرجى لمن احتسب الأجر فيه وقام به على أكمل وجه ثواب عظيم وسبب لدخول الجنة فينبغي لمن ابتلي بمعاق أن يصبر ويفرغ وسعه في سبيل سعادته ويعظم الرغبة في الله ويشاهد حسن العاقبة في عمله وأن يوقن أنه في عبادة وألا يتبرم ويتضجر من رعايته وأن يقدم حفظه ورعايته على سائر المحبوبات والملذات فإن عادة الله حسنة فيمن أحسن إلى عباده كما قال تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ). وقال تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.